لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145499 مشاهدة print word pdf
line-top
الحج ونفي الشرك

فالذين يدعون غير الله من المخلوقين لا شك أنهم قد أشركوا، ربما تسمعون أحدهم في طوافه أو في سعيه أو في وقوفه بعرفة يدعو غير الله، نسمع كثيرا يدعون عليا والحسن والحسين وزين العابدين ونحوهم من أئمة الشيعة، يدعونهم في الطواف، ويدعونهم كذلك أيضا في عرفات أو في غير ذلك.
وكثيرا ما يسمع الذين يدعون السيد البدوي أو يدعون عبد القادر الجيلاني أو يدعون ابن علوان أو يدعون غيرهم من الأئمة أو من السادة الذين يدعون أنهم ينفعونهم أو يشفعون لهم أو يضرونهم.
فأتذكر قبل نحو خمس عشرة سنة رأيت شابا سودانيا عند الصخرات الكبار عند جبل الرحمة وإذا هو يدعو عبد القادر يا عبد القادر فقلت له: لِمَ تدعو عبد القادر ؟ أليس عبد القادر مخلوقا؟
فقال: أنا أعتقد أنه لا ينزل قطرة ماء من السماء، ولا ينبت حبة نبات من الأرض إلا بمشيئة عبد القادر أو بإرادة عبد القادر وأن عبد القادر هو الذي يملك كذا كذا، وهو الذي يملكنا، ولو شاء لأهلكنا، ولو شاء لرزقنا؛ فحاولت أنه يقتنع ولكن رأيت قلبه ممتلئا من تعظيم هذا المخلوق، عجبا لهؤلاء!
من رب الخلق؟ من الذي خلق عبد القادر ؟ من الذي رزق عبد القادر ؟ من الذي أماته وأحياه؟ لا يلتفتون إلى شيء مثل هذا.
عبد القادر عالم من علماء القرن السادس والسابع، كان مخلوقا من ماء كما خلق بقية الإنسان من نطفة ثم من علقة إلى آخر ذلك، كان عابدا من العباد، ولكن مع ذلك رزقه الله تعالى حسن نية وحسن قصد، ولم يكن يظهر للناس أنه ولي، ولا أنه سيد، ولا أنه، ولكن ابتلي هؤلاء الخلق بعبادته، فإذا وفقك الله تعالى أيها المحب، وأخلصت دينك لله تعالى فإن ذلك من علامات إرادة الله تعالى بك خيرا.
كذلك أيضا الأفعال التي تحبط الأعمال من الشركيات علينا أيضا أن نحذرها، فأنتم تشاهدون كثيرا يتمسحون بجدار الحجر حجر إسماعيل الذي هو نصف دائرة من الجهة الشمالية من الكعبة المشرفة إذا مروا به يمسحونه بأيديهم، وربما يمسحون أوجههم بأيدهم بعد ذلك تعظيما لهذه الحجارة، لا مزية لهذه الحجارة إنما الطواف بها عبادة لله تعالى.
وكذلك الذين يلصقون صدورهم وخدودهم بجدار الكعبة أو بكسوة الكعبة بكسوة البيت يتبركون بها، لا شك أيضا أنهم على خطر؛ لأنهم عظموا ما لم يأذن الله تعالى بتعظيمه، فتعظيم حرمات الله لما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا قالوا إن الله يقول: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فهذه حرمات الله إن الله يقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ .
فنقول: نبيكم صلى الله عليه وسلم بيّن هذا التعظيم أنه بالطواف، وأنه بالدعاء، وأنه بالابتهال والتواضع، وليس بالتمسح؛ لا تمسح بكسوة البيت ولا تمسح بحجارتها، ولا تمسح بجدار الحجر ولا بزجاج المقام ولا بغير ذلك؛ اقتصروا على جاء به النص، وعلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكونوا بذلك من الموحدين المخلصين الذين أخلصوا دينهم لله تعالى، والذين نفعهم الله بما علموا، فعملوا بذلك، بهذا يكون الإنسان مؤمنا وموحدا.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ورد وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وأنه صلى الله عليه وسلم لما حج سنة عشر بيّن للناس مشاعرهم، وقال: خذوا عني مناسككم .
فكل شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فإن فعله مردود، الذين يفعلونه يعتبرون قد أحدثوا في هذا الدين ما ليس منه أعمالهم؛ فيكون عملهم مردودا عليهم على مقتضى هذا الحديث.
نعرف أن من ذلك صعود تلك الجبال التي ما علمها النبي صلى الله عليه وسلم، الذين يصعدون جبل الرحمة يشاهدون بالأمس في ذلك الموقف يعني يوم عرفة كأن الجبل أبيض من كثرة الذين يصعدون حوله، يتمسحون بحجارته، هذا أيضا مردود، وليس له مزية ولا يتبرك به، والنبي صلى الله عليه وسلم وقف عرفة عند الصخرات وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف .
وكذلك الذين يتجشمون المشقة ويصعدون غار حراء أو غار ثور لا شك أيضا أنهم على شفا جرف من الشرك، أنهم يعظمون ما لم يأمر الله تعالى بتعظيمه، ويعتقدون فيها عقائد سيئة بأنها تنفع، أو أن العبادة فيها تضاعف، أو ما أشبه ذلك، وهذا شيء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة المهدون؛ فنعرف بذلك أن الله تعالى أنعم عليكم نعمة عظيمة وهي هذا التوحيد، الذي هو إخلاص عبادتكم لله تعالى.
فنوصيكم بتحقيق التوحيد؛ تحقيقه وتخليصه وتصفيته من شوائب الشرك، ومن البدع ومن المعاصي؛ وذلك لأن الشرك بأنواعه -أصغر أو أكبر أو شركا خفيا- كل ذلك مما يبطل ثواب التوحيد، كذلك البدع وهذه المحدثات لا شك أنها تقدح في كمال التوحيد، وكذلك المعاصي والمحرمات، لا شك أيضا أنها تنقص ثواب التوحيد؛ فعلينا أن نتجنبها.

line-bottom